هل يتم صناعة الغباء ؟
وهل نحن متخصصون فى ذلك ؟
----------------------------------------------------
للغباء أهله وناسه ومريدوه ومؤيدوه.. والغباء عدوى، والشفاء
منه صعب للغاية..
سنتناول قصتين تشرحان الموضوع وستعرف بعدها
- كيف يصنع الغباء فى التجربة الاولى .
- كيف نكافىء الاغبياء فى التجربة الثانية .
(1)
مجموعة
من العلماء و ضعوا 5 قرود في قفص واحد و في وسط
القفص يوجد سلم و في أعلى السلم هناك بعض الموز
في كل مرة
يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد
بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز, يقوم
الباقين بمنعه
و ضربه حتى لا يرنشون بالماء البارد
بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من
كل الأغراءات خوفا من الضرب
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و
يضعوا مكانه قرد جديد فأول شيئ يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم
ليأخذ الموز
ولكن فورا الأربعة الباقين يضربونه و يجبرونه على النزول
بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا
يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب
قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد
و حل به ما حل بالقرد
البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لايدري
لماذا يضرب
و هكذا حتى تم تبديل جميع
القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة
حتى صار في القفص خمسة قرود
لم يرش عليهم ماء بارد أبدا
و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن
يعرفوا ما السبب
لو فرضنا .. و سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد
السلم؟
اكيد سيكون
الجواب : لا ندري ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا له ضاربين
نفس
الأسلوب يتّبعه الحكّام، ألا وهو صناعة شعب أبله تسهل السيطرة عليه، كل ما
يطلبه لقمة عيش وبعض الكهرباء والماء وقليل من الفرفشة التلفزيونية
التافهة
لا معارضة، لا أحزاب، لا انتخابات حرة ونزيهة
لا تعليم متطور منفتح يتماشى مع مستجدات العصر
إعلام موجّه، مواقع انترنت محجوبة ومراقبة
إنه فن صناعة الغباء، فالغباء والبلاهة تاج على رؤوس البلهاء، لا يعرف
قيمته إلا الحكّام
إنه فن تم تطويره على مدى قرون من الزمن، وتوارثه الحكّام أبآ عن جد
خبرات تراكمت على مر السنين، كل حاكم استفاد من أخطاء سلفه،
لم يتركوا ثغرة ولا ثقبآ، حتى وصلنا أخيرآ إلى مرحلة الحاكم المطلق
الأبدي الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه والذي لا يرحل إلا
بواسطة ملك الموت
فإتقان الحرفة وصل درجة الكمال، فعليكم وعلينا السلام
(2)
يحكى
أن ١٠ أطفال كانوا يلعبون بجوار شريط سكك حديدية.. اختار ٩ منهم أن
يلعبوا بجوار خط يمر عليه القطار كل فترة، بينما اختار الطفل العاشر اللعب
بمفرده بجوار خط مهجور لا يمر عليه القطار.. وفجأة لمح عامل المزلقان
قطاراً قادماً، فأصابه الرعب على حياة الأطفال التسعة، الذين يلعبون على
خط السكة الحديد، الذى سيمر عليه القطار.. فلو كنت مكانه.. ماذا ستفعل؟
طبعاً فكر الرجل بسرعة، وقرر تحويل مسار القطار فوراً ليسير على الخط
المهجور، حيث إن طفلا واحداً فقط يلعب هناك.. وهو بذلك أنقذ ٩ أطفال.. أى
أن هذا القرار حقق أقل خسائر ممكنة.
وللوهلة الأولى يبدو أن عامل المزلقان اختار القرار الصحيح بمنطق الكم..
ولكن النظر بعمق وبمنطق النوع، يكشف أنه مخطئ تماماً.. فالطفل الواحد،
الذى ضحى به عامل المزلقان كان أذكى الأطفال العشرة، لأنه الوحيد الذى
فكر، واختار اللعب فى المنطقة الآمنة.. أما التسعة الآخرون الذين أنقذ
عامل المزلقان حياتهم فهم الأغبياء والمستهترون الذين لم يفكروا، واختاروا
اللعب فى منطقة الخطر.
هذه
النظرة تبدو قاسية جدا، وغير عاطفية على الإطلاق.. إلا أن هذا هو الفارق
الكبير والشاسع بين المجتمعات الذكية والغبية..
ففى المجتمعات الغبية تكون التضحية دائما بالأذكياء والأكفاء.. أما فى
المجتمعات الذكية، فالأذكياء والعقلاء والنابهون يقودون ويسعدون الأغبياء
من حولهم أيضا..
والدولة التى تقرر النمو والتقدم، تبحث عن الأذكياء والمتفوقين، وتدفع بهم
للصفوف الأولى لأنهم بعقولهم يستطيعون جر المجتمع للأمام..
أما الدول الغبية، فتقتل المواهب وتئد الأفكار والعقول، وتدفع بالأغبياء
للصفوف الأولى فيجذبون المجتمع للهاوية، وربما يجدون من يصفق لهم.
فى الدول المتقدمة تلهث القيادات وراء العقول، وتنفق عليها.. فربما عقل
واحد راجح يحل مشاكل مزمنة كانت تستعصى على الحل..
وهذه مهمة ليست سهلة، ولكن النجاح فيها يضمن استمرار نجاح الدولة وتفوقها
ويؤكد احترامها ومكانتها.. أما فى الدول الغبية، فالأغبياء منتشرون فى كل
المواقع..
وهى عملية سهلة، فالغباء بالنسبة لهذه المجتمعات راحة ما بعدها راحة..
فلا يمكن لشخص غبى أن يستعين بآخر أذكى منه، ولكنه سيبحث عمن هو أغبى منه
درجة ليعاونه وربما ليتسلم منه المسؤولية.. ولذا تجد الدول المتقدمة
تزداد تقدما، والغبية تزداد غباء.
والدول المتقدمة تستثمر فى العقول، فالعقول هى التى تقوى وتدعم استقرار
الدولة السياسى والاقتصادى والاجتماعى..
و تفكر دائما فى آليات تطوير ما لديها من عقول ودعم المواهب والمهارات..
أما الدول التى تعتنق الغباء، فتغرق فى دوامات الغش والكذب والتضليل
والتزوير للأبد.
والمدير فى أى دولة متقدمة يعرف متى يترك المسؤولية.. لأنه ذكى، ويدرك
حركة الزمن ويعرف حق الأجيال الذكية فى التداول، ويثق أن فيهم من هو أقدر
منه وأفضل منه.. بل إنه يشعر بالسعادة إذا نجح من بعده فى تحقيق مالم
يستطعه هو..
بينما المدير فى الدول الغبية يقاتل من أجل الاستمرار فى منصبه مهما طال
به الزمن، لأنه يشعر أن قيمته فى منصبه وليست فى عقله، بل إنه يمنع
الآخرين من الوصول لموقعه، الذى عادة ما يكون قد احتله بشكل غير طبيعى..
والمدير الغبى يظن أنه أذكى الأذكياء، ويظن أنه قادر على الضحك على كل
المحيطين به، وعادة ما يأتى بعده من هو أغبى وأسوأ منه.
والمرؤوس أيضا فى الدول المتقدمة ذكى وطموح وواثق فى قدراته، ويسعى لتحسين
إمكانياته دائماً.. لأنه كلما كان أفضل كان مرشحا للترقى..
ولأنه لن يصل إلى درجة أمامية إلا بقدر قيمته وإمكانياته.. بينما المرؤوس
فى الدول الغبية مستكين ومرتاح وواثق فى أنه لن يتقدم إلا بمقدار ما
يريده رئيسه..
فلا يتنافس.. ولا يبدع.. ولا يطمح إلا فى الاستقرار والبقاء.
ألم أقل لكم إن الغباء صناعة.. وإن الغباء عدوى؟ ولكن هل يستحيل التحول من
الغباء إلى الذكاء؟
أبداً..
ولكن الأمر يحتاج إلى عامل مزلقان قوى فى كل موقع، وتتوفر لديه إرادة
التغيير، ومستعد لاتخاذ القرار الصحيح مهما كانت المخاطرة، ومدرك أن قراره
بالتحول من الإدارة الغبية إلى الإدارة الذكية سوف يكون صعبا وله عواقب
كبيرة وسيواجه بمعارضة ضخمة، ولكنه واثق أنه يسير فى الاتجاه الصحيح، وأن
المجتمع سوف يستفيد.